[center]
1- معنى ليلة القدر
يرى بعض العلماء أن معنى القدر الذي أضيفت إليه الليلة هو العظيم، كقول الله سبحانه وتعالى: "وما قدروا الله حق قدره" فهي ذات قدر وتعظيم لما نزل فيها من القرآن الكريم .. أو أن العظمة والقدر لما يحدث فيها من نزول الملائكة، وأيضا لما ينزل في هذه الليلة من رحمات الله تعالى وبركاته وغفرانه وفيوضاته، أو أن يحييها، يصبح ذا قدر وشرف، ومنزلة كريمة. وقال البعض .. القدر هنا التضييق، كقول الله تعالى: "ومن قدر عليه رزقه" والمراد بالتضييق إخفاء الليلة وعدم تعيينها .. أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة، أو القدر فيها بمعنى القدر، أي أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة وما يقضي الله به على عباده، وذلك لقول الله عز وجل: "فيها يفرق كل أمر حكيم". ولقيام ليلة القدر فضل وافر، لأن الله تعالى مادام قد جعلها خيرا من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فهذا يفيد أن العبادة فيها تكون أعظم شأنا منها في غيرها. <عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"> والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم "من صام رمضان إيمانا" أي تصديقا بوعد الله تعالى بالثواب، فقد وعد رب العزة بثواب الصائمين وتكفل به، كما جاء في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به" "واحتسابا" أي طلبا لوجه الله سبحانه وتعالى ثوابه وطلبا للأجر لا لشيء آخر من رياء أو نحوه. والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدد، وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله: "احتسبه"، لأن له حينئذ أن يعتد عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به. <وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ".. غفر له ما تقدم من ذنبه"> ما يفيد الإطلاق فيشمل الصغائر والكبائر، والمعروف أنه يختص بالصغائر، أما الكبائر فلا تغفر إلا بالتوبة النصوح بشروطها وهي: الندم على ما فات، والعزم على عدم العودة والإقلاع عن الذنب، ورد الحقوق لأصحابها. وفي بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لجزاء الصائم بغفران الله له ما تقدم من ذنبه، قيد هذا الجزاء بأن صيامه (إيمانا واحتسابا)، لينفي عن ساحة الصائم الرياء وحب الظهور وغير ذلك من الدواعي التي تقلل ثواب العبادة بل أحيانا تحبطها، وليكون الصائم مخلصا في عبادته، وصادقا فيها، ومقبلا بها على ربه سبحانه وتعالى قاصدا بها وجه الله تعالى وحده لا شريك له كما قال الله تعالى: [{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }] وهذا الجزاء أيضا، وهو غفران الذنوب، يكون لمن أقام ليلة القدر إيمانا واحتسابا كذلك، وتكون إقامة ليلة القدر بأداء صلاة القيامة فيها، وهي صلاة التراويح، وبقراءة القرآن، والتهجد والذكر والدعاء. ولما كانت ليلة القدر غير محددة ولا معينة بل هي في العشر الأواخر من شهر رمضان، وفي الوتر من العشر الأواخر. ويتناول الغفران الذنوب الصغيرة، وقال الإمام النووي: المعروف أنه يختص بالصغائر، وبه جزم أمام الحرمين. ويجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة. وعند الإمام النسائي (ما تقدم من ذنبه وما تأخر)، ولكن كيف تغفر الذنوب المتأخرة التي لم تفعل بعد؟. والجواب على هذا هو كما روى في شأن أهل بدر: "اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم". ومحصل الجواب أنه قيل: أنه كفاية عن حفظهم من الكبائر فلا تقع، وقيل معناه: أن ذنوبهم تقع مغفورة. وهل يحصل الثواب المترتب على ليلة القدر لمن أقامها، أو يتوقف ذلك على كشفها له؟ جماعة من العلماء منهم الطبري وغيره يقولون: أن الثواب المترتب على ليلة القدر يحصل لمن اتفق له قيامها بالعبادة، وأن لم يظهر له شيء، ولا يتوقف الفضل الحاصل له على كشفها أو ظهور شيء من العلامات.
ابو طارق fawaz